إن تحسين مستوى حياة المواطن ورفع مستوى معيشته، يشكلان الأولوية القصوى لدى أية أجندة وطنية في خطة أي عمل استراتيجي، كما أن هموم المواطن البحريني وتخوفاته وتوقعاته بين ما هو معلن من قبل الحكومة والشعارات الانتخابية والواقع الذي يعيشه يعتبر تحديا لهذه الأجندة إن وُجدت.
وسأحدد الأهم من تلك الهموم بمحاور ثلاثة:
قضية الإسكان وآثارها على المواطن.
قضية الغلاء وأثرها على حياة المواطن والبطالة والصحة والعمل وهي ترتبط بالقضية الاجتماعية.
وقضية تحويل بعض الممتلكات العامة الحيوية، وما تثيره من مخاوف.
إن الأجندة الوطنية هي خطة عمل استراتيجية تنطلق من رؤية واضحة وتحدد أهدافا مجتمعية لتنمية شاملة تقوم على الواقعية والفكر المستنير والمبادرة الجديدة. وانطلاقا من التحديات المتعددة والمتنوعة التي تواجه البحرين في الوقت الراهن. كما أن الأهداف العامة والقطاعات الإنتاجية والخدماتية التي من المفترض تطويرها، وذلك من أجل تحقيق التنمية المجتمعية الشاملة والمطلوبة، والانتقال بالوطن من الواقع المعاش إلى الواقع المنشود مطلب ضروري ومهم. وهذا يعني أن الأجندة الوطنية هي محاولة لحشد الإمكانيات المتاحة، المادية وغير المادية، لإحداث تحولات واسعة وعميقة في بنية المجتمع والاقتصاد والمؤسسة السياسية، وصولا إلى حالة جديدة تتصف باستمرارية النمو الاقتصادي، وديناميكية التطور العلمي والتكنولوجي، وحدوث الازدهار الثقافي.
ولكن قبل بلوغ كل ما ذكر يجب الوقوف لمراجعة بعض الرؤى المعمول بها في البحرين مثل الرؤية الاقتصادية وإصلاح سوق العمل ومشروع «تمكين» كي لا تضل طريقها، حيث يعاني الأمن الاجتماعي للمواطن اليوم من تهديد متمثل في السكن، حيث بلغ عدد الطلبات الموضوعة على قائمة الانتظار 45000 طلب، بنسبة زيادة 7000 طلب سنويا في المستقبل ومازالت الحكومة تراوح محلها لحلحلة هذه المشكلة علما بأن هناك من النواب من يثني على الحكومة في هذا الجانب.
إذا كان الهدف حسب ما يسوق له البعض من داخل الحكومة أو من بعض النواب القائم على مفهوم تحقيق رفعة الوطن ورفاه المواطن يجب أن يبدأ بتوفير السكن. كما أن العمل الدؤوب على تنمية الاقتصاد الوطني، ونشر الوعي العلمي والتكنولوجي، وإرساء أسس الديمقراطية وتشجيع الاستثمار، والإسهام في جهود تحقيق ما هو مفروض على أرض الواقع في البحرين لن يقوم إلا على أساس أحساس المواطن بأمنه الاجتماعي وليس التسويق لمفهوم الدولة بشكل عاطفي والنأي عن احتساب الضرائب غير المعلنة، وخصوصا على المؤسسات الصغيرة المعنية بدخل المواطن المحدود والمتوسط.
ويجب التعاطي على أن الهدف الرئيسي للأجندة الوطنية هو رفع مستوى معيشة الفرد وتحسين نوعية الحياة، والتعامل مع أهم التحديات التي تواجه المواطن وهي تدني دخل الفرد وعدم استقرار أمن المواطن الاجتماعي والمتمثل في الإسكان، كما هو الحال في البطالة حيث في الواقع، تتجاوز معدلات البطالة في البحرين التقارير الرسمية بكثير، وذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار من هم عملوا في القطاع الخاص بصورة صورية، ولا سيما أن زيادة إقبال المرأة على التعلم في الجامعات، تشجع المرأة على دخول سوق العمل بأعداد كبيرة ومتسارعة ما سيرفع نسب البطالة والصراع من أجل إيجاد فرص عمل.
مما لا شك فيه أن تشجيع الاستثمار وزيادة النشاطات الاقتصادية وتنوعها يخلق فرص عمل جديدة وكثيرة، لكن ليس من الضرورة أن تؤدي فرص العمل الجديدة إلى خفض معدلات البطالة أو تلبي طموح الشاب البحريني، وذلك لأن موقف العامل البحريني من بعض الأعمال والمهن مازال سلبيا للغاية.
إن التعامل مع مشكلة البطالة الواسعة التي أصبحت هيكلية يتطلب وجود قابلية لدى الشخص العاطل عن العمل لتحمل مسئوليات الأعمال الجديدة والقيام بأعمال يعتبرها دونية ولا ترقى إلى مستواه الاجتماعي. كما يتطلب أيضا وجود مجتمع يحترم العمل مهما كان نوعه ولا يعاقب العامل الذي يمارس الأعمال اليدوية ويزاول المهن التي لا تحظى بتقدير العامة من الناس. وهذه قضية ثقافية هيكلية لم تتطرق الرؤية الاقتصادية ومشروع «تمكين» وهيئة أصلاح سوق العمل في التعامل معها، ولا حتى إلى ذكرها. ومن أجل العمل على إنجاح الرؤية الاقتصادية، أقول يجب تحديد الأهداف وبرامج العمل المتعلقة بكل قطاع من القطاعات الإنتاجية والخدماتية المستهدفة، والقيام بإعداد دراسة علمية هي بمثابة مسح للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية القائمة، لتحدد من خلالها التحديات التنموية والمعوقات المؤسسية والأهداف العامة المنشودة، بدل السرعة التي تم بها إنشاء شركة ممتلكات وعزل مردودها المالي أو تخصيصه لدعم الشركات التي لا تحقق أرباحا أو الإسهام في مشاريع التنمية العقارية.
إن الولايات المتحدة الأميركية عندما قررت دعم الشركات الكبرى مثل شركة جنرال موتورز ومثيلاتها من الشركات الكبيرة، فإن هذه الشركات كانت تدفع الضرائب للدولة طوال 70 سنة الفائتة، وجاء الوقت الذي تقوم حكوماتهم بدعمهم، وبالمقابل ماذا حققت الشركات التي تقوم شركة ممتلكات بدعمها في الوقت الراهن للاقتصاد الوطني؟
يجب أن تتميز الدراسة عموما بالوضوح والصراحة والأمانة والعلمية، وعدم إخفاء الحقائق غير السارة ولا التستر على العيوب المتأصلة في المؤسسات التي حولت إلى شركات، ولا إهمال ذكر التحديات الصعبة. وهذا يعكس صدق النوايا وجدية العمل وشفافية الرؤية، ويضع بالتالي على كاهل الحكومة مسئولية وطنية وتاريخية كبيرة.
وهنا أقول للمتسابقين على المكاسب السياسية من خلال طرح رؤية الحوار الوطني وكذلك المنتفعين ومن هم خارج الخريطة السياسية الذي جل همهم الإساءة للبحرين في الداخل والخارج وخلق مراحل التأزيم، إننا بحاجة إلى حوار وطني هادف لوضع برنامج إصلاح اقتصادي اجتماعي يؤكد تخفيض التضخم، وتقليص عجز الموازنة، وزيادة إنتاجية الاقتصاد الوطني، وتنويع مصادر دخله، ووضع الإطار المؤسسي الدستوري الملائم لاتخاذ القرار الاقتصادي والاجتماعي المبني على أسس علمية وعملية، ومراجعة سياسة العمالة ومكافحة الفقر والبطالة، والسير ضمن خطط اقتصادية واجتماعية استرشادية هادفة، حتى نتمكن من تحقيق المزيد من الإنجاز، بدل تطبيق النظريات الاقتصادية التي يعتقد بها البعض والتي لا تخدم المواطن البسيط والمتوسط بل خلقت شركات عائلية وخاصة باسم الانفتاح الاقتصادي بدواعي تشجيع الاستثمار، كما قللت من الشريحة المتوسطة في الدولة.
ويجب أن تعلم الحكومة أن الإصلاح السياسي لا بد أن يسير جنبا إلى جنب مع الإصلاح الاقتصادي وذلك لوجود علاقة وثيقة بين النظام الاقتصادي والنظام السياسي في أي بلد، ونقول للإخوة المصفقين والمهللين لمثل تلك المشاريع الحكومية بأن سعي الحكومة محمود ولكن ذلك لا يعفي من مراجعة تلك الرؤى والمشاريع، وننصح البعض بأن يقوموا هم أو مستشاروهم بقراءة تقارير الشركات ذات الاختصاص (الاقتصادية) المحايدة وهم كثر لكي يروا وضع اقتصاد دولهم ومقارنتها بواقع شعوبهم.
إقرأ أيضا لـ "سلمان ناصر"
العدد 2462 - الأربعاء 03 يونيو 2009م الموافق 09 جمادى الآخرة 1430هـ
التعليقات