صحيفة نبض الشعب الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري

كل يوم حكاية
15- فضل العبدية (2-2)
حكينا عن الفتاة فضل التى باعها اخوتها الخمسة بعد وفاة والدتها الى تخاس فى بغداد يدعى حسنوية والذى انشأها وعلمها وثقفها واصبحت شاعرة تعقد مجالس للشعر وتعرفت على شاعر شاب خجول هو سعيد ابن حميد الذى احبها واحبته لكن حسنوية يطلب منه ثمنا باهظا جعله يلجأ للخليفة المتوكل الذى سأله عن هذه الفتاة التى تستحق كل هذه الاموال

نظر الخليفة الى ابن حميد وسأله فى اى شىء تشبه فضل هذه التى سحرته واجابه ابن حميد انها نشبه حلما غامضا وتشبه كل لحظات العذاب والشوق وتشبه قطر الندى وكان رد فعل الخليفة هو وعد غامض للشاعر وصرفه من مجلسه
بعد قليل فوجىء حسنموية بموكب الخليفة يدق بابه وارتاح عندما لم يجد معه ابن حميد وكان طلب الخليفة محدد وهو ان يرى فضل الشاعرة ليفهم مايحدث لأبن حميد

عندما اقبلت فضل فوجىء الخليفى بذلك التألق الذى يشع منها دون ان تعرف مصدره وازدادت تألقا وهى تنشد اشعارها الحزينة كانت تحاول ان تستميل الخليفة لكى يوافق على ان يأخذها ابن حميد ويتوقف المزاد
لكنها فوجئت به يقول :" اما سعيد ابن حميد فسيكون والى لنا على خراسان ( ايران وافغانستان) واما فضل فستكون زينة قصرنا "

وشهقت فضل وقفز حسنوية فرحا
اختفى ابن حميد لااحد يعرف اين ذهب قيل انه فى خراسان وقيل انه فى زنزانة مفردة فى سجن التنور وقيل بل طفت جثته فوق نهر دجلة لكن الشىء المؤكد ان فضل سيقت الى قصر الخلافة وتطلعت اليها باقى الجوارى هم جميعا اجسادا جميلة ووجوه نضرة واصوات قوية وانوثة لاتقاوم لكن فضل كانت عقلا فريدا شاعرة حقيقية وعاشقة بلا امل

ولكنها شعرت بالغربة فى قصر الخليفة فللحرير ملمس الشوك وللشراب طعم العلقم وظلت صامتة امام الخليفة وعندما قادوها الى غرفته كانت المعركة خاسرة لأنها رفضته ورفضت عرش الخلافة وقررت الا تسلم نفسها مهما هددها الخليفة او وضع اللآلىء تحت قدميها ومهما ازدادت درجة جنونه فلن تستسلم

يئس الخليفة منها فأعطاها للحرس ليلقوها فى السجن فى قبو مظلم بين الظلام والفئران والبراغيث وقيدوها وقصوا جدائل شعرها الطويلة مما ذكرها بماحدث فى طفولتهاوانتظر الخليفة ان تلين قليلا ولكن لم يحدث وخشى ان تموت داخل السجن فأمر بأخراجها واعادتها للقصر دون ان يطلب منها شىء واشركها فى مجالس الشعراء والمغنيين لعل المرح يعود اليها وكان مجلسها هذا يتيح لها ان ترى الداخلين والخارجين الى الخليفة وتسمعهم ايضا وهكذا قدر الله لها ان تراهم مرة اخرى

الاخوة الخمسة لم تتغير ملامحهم التى تراها فى الكوابيس برغم كل هذه السنين رأتهم امام الخليفة واجسادهم العملاقة اصابها هزال غريب ارتعدت تخيلت ايديهم تمتد اليها وتعيدها الى الصحراء هى كانت تراهم بينما هم لايرونها وكان اكبرهم يتكلم طالبا الرحمة من الخليفة فبلادهم بلاد اليمامة فى جدب ومجاعة 5 سنوات كاملة ويطلبون قوتا وغذاء يكفيهم هم وقبيلتهم وكانت هيئتهم تدل على حالتهم وكانت بغداد كلها مليئة بأفواج القبائل الجائعة بعد ان لفظتهم الصحراء القاحلة واستمع اليهم الخليفة وطلب منهم ان يأتوا فى الغد الى مجلسه

قبّلوا الأرض تحت قدميه وخرجوا وفضل لاتكف عن الارتعاد ثم نهضت وسارت الى جناح الخليفة لقد جاءت لحظتها اخيرا
حين دخل الخليفة الى جناحه فوجىء بها تنتظره فى اتم زينة وعطرها فواح ورق صوتها للمرة الاولى معه قائلة :" اسعد الله يومك يامولاى" نظر اليها مندهشا وقال:" ماذا حدث للظبية النافرة ؟"ضحكت بصوت رائق كقطرات العسل وقالت :" فلنقل انها ملت المطاردة " ورد الخليفة :" قول غير مقنع"

ساد الصمت قليلا ثم تحركت فضل وفتحت قنينة العطر ونثرت قطرة على وجهها وقطرة على لحيته ثم قالت :" وهل يقتنع مولاى اذا قلت اننى اريد ان اعقد صفقة بيننا" وصمت الخليفة وتلوى جسدها داخل اثوابها الشفافة واقتربت بوجهها من وجهه وهمست :" هؤلاء الخمسة من بلاد اليمامة هم قطاع الطرق الذين اختطفونى وانا طفلة وباعونى الى حسنوية وانا اطالبك بعقابهم "

ضحك الخليفة بصوت جاف وابتعد برأسه بعيدا عن سحر انفاسها ثم قال :" ذلك امر قديم لادليل عليه ولابرهان" وردت فضل سريعا :" الدليل هو أنا والبرهان هو كلماتى والجرح الذى سببوه لى لم يطيب رغم مرور السنوات " تردد الخليفة ثم قال :" انهم رجال من بنى عبد القيس انسابهم معروفة ووالينا على اليمامة يعرفهم " قالت فى صوت مخنوق :" هذه صفقتى يامولاى دعهم يأخذون عقابهم فى السجن وانسى امرهم قليلا اكون لك بلاقيد ولاشرط وستكون اول رجل فى حياتى فلم يمسسنى قبلك رجل " ثم تركت الحجرة وخرجت تاركة الخليفة مندهشا

فى الصباح جاءها غلام الخليفة قائلا :" مولاى يطلب منك ان تحضرى مجلسه" فتوجهت الى القاعة لترى الاخوة الخمسة واقفين وخرجت امامهم بوجهها كعادتها فتأملوها قليلا ثم احنوا رؤوسهم فهل تعرفوا عليها ؟
نظر اليهم الخليفة شزرا ثم طلب منهم فى غلظة ذكر انسابهم وادهشهم السؤال المفاجىء ثم ذكر كل واحد منهم نسبه وسمعتهم كانت هى الوحيدة التى نزعوا نسبها وحولوها الى سلعة رخيصة وصرخ الخليفة :" انساب كاذبة منتحلة انتم قطاع طرق " وهنا برقت عينا فضل فى انتصار ودارت عيونهم فى فزع فهتفوا :" ولكن يامولانا قومنا والمجاعة "

وصرخ الخليفة ثانية :" ياحراس خذوهم الى السجن لااريد ان اسمع عنهم شيئا بعد الآن" واقتادهم الحراس وهم يتأوهون كالحيوانات يحاولون الدفاع عن انفسهم بكلمات غير واضحة وكانت نظرة الانتصار والنشوة على وجهها
واصبحت القاعة خالية فجأة و لم ترى فيها الا ابتسامة على وجه امها وهى تحتضر ووجه حبيبها سعيد ابن حميد الخجول وتقدمت لتدفع نصيبها من الصفقة الخاسرة حتى الموت الذى تتمناه لترى امها وحبيبها

انتهت

منقول